غيب الموت الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، تاركا في نفوس الملايين من محبيه مرارة الحزن والشعور الزائد بالخسارة... فقدت الأمة العربية برحيله واحدا من أبرز الشعراء الكبار الذين أرسوا دعائم القصيدة العربية المعاصرة في دلالاتها ولغتها وصورها وجملها الشعرية... واصل مسيرته كفارس حارس للشعر الحديث، منذ إطلالته الأولى وتفتح براعمه الشعرية في أواسط الخمسينيات وحتى مماته، وشعره ينبوع عطاء مميز شكل فيه حضور القضية الفلسطينية علامة أساسية يتبدى من خلالها كل تفاعلاته الإبداعية وجميع شعاب حياته الشخصية ومنعطفاتها...
انحاز لشعبه في علاقة تفاعلية عميقة، واحتفت قصائده بمآسيهم وهمومهم وطموحاتهم الوطنية ومشاعرهم الدفينة، وبتأسيس الوجدان الوطني المُقاوم للاحتلال والهزيمة.
غمس أقلامه في محابر ملأى بخزين معرفي ووجداني أهّلت عبقريته وموهبته الإبداعية للتجاوز والتخطي وإحداث مدرسة خاصة به، جدد بها شعره من حيث الشكل والمحتوى والبناء اللغوي والتعبيري والصور الشعرية، تقبله الناس في كل الدول العربية وترددت أشعاره بينهم، أصبحت لهم كالخبز والماء والهواء، قوة فعل غلابة للتحدي والتشبث بالأرض، وأصبحت همسات قوافيه منطوقة أو مكتوبة بارقة أمل للصمود والمقاومة والتبشير بغد أفضل جديد على دروب الخلاص من نير الاحتلال.
غيبه الموت في أوج عطائه "تحت السماء البعيدة"، "وتحت المساء الغريب"، بعيدا عن فلسطين التي جبلت أشعاره بأرضها، وتناثرت كالندى حولها فوق عروق اللوز والليمون والزيتون...
أسطورة محمود درويش لن تنتهي بغيابه، لأن الموت انتزعه منا جسديا فقط، وسيبقى بيننا منبعا للإلهام إلى أبد الآبدين، وسيكون له بين الخالدين مكان لا تنساه ذاكرة التاريخ، ولا ينساه ضمير شعبه الوفي، وكلي ثقة أنَّ الأجيال الفلسطينية القادمة ستهتدي به للدفاع عن هويتها ووجودها وكينونتها ضد الاحتلال البغيض، وسوف تحفظ شعره وتكتبه على قرامي الزيتون بألوان متوهجة مشرقة، وتطرزه على امتداد التراب الفلسطيني في حنان وانسياب.